فصل: أحمد بن جعفر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ وقع بين الخليفة الراشد وبين السلطان مسعود بسبب أنه أرسل إلى الخليفة يطلب منه ما كان كتبه له والده المسترشد حين أسره، التزم له بأربعمائة ألف دينار فامتنع من ذلك، وقال‏:‏ ليس بيننا وبينكم إلا السيف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/261‏)‏

فوقع بينهما الخلف، فاستجاش السلطان بالعساكر، واستنهض الخليفة الأمراء، وأرسل إلى عماد الدين زنكي فجاء والتف على الخليفة خلائق، وجاء في غضون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه، فخطب له الخليفة ببغداد، وخلع عليه وبايعه على الملك، فتأكدت الوحشة بين السلطان والخليفة جداً‏.‏

وبرز الخليفة إلى ظاهر بغداد ومشى الجيش بين يديه، كما كانوا يعاملون أباه، وذلك يوم الأربعاء سلخ شعبان، وخرج السلطان داود من جانب آخر، فلما بلغهم كثرة جيوش السلطان محمود حسن عماد الدين زنكي للخليفة أن يذهب معه إلى الموصل، واتفق دخول مسعود إلى بغداد، في غيبتهم يوم الاثنين رابع شوال، فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه‏.‏

ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحلي والمصاغ والثياب التي للزينة، وغير ذلك، وجمع القضاة والفقهاء، وأبرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه، فخلع في يوم الاثنين سادس عشر شهر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء، وكانت خلافته إحدى عشر شهراً وإحدى عشر يوماً، واستدعى السلطان بعمه المقتفي بن المستظهر فبويع بالخلافة عوضاً عن ابن أخيه الراشد بالله‏.‏

 خلافة المقتفي لأمر الله

أبي عبد الله بن المستظهر، وأمه صفراء تسمى نسيماً، ويقال لها‏:‏ ست السادة، وله من العمر يومئذ أربعون سنة، بويع بالخلافة بعد خلع الراشد بيومين، وخطب له على المنابر يوم الجمعة لعشرين من ذي القعدة، ولقب بالمقتفي لأنه يقال‏:‏ إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المنام وهو يقول له‏:‏ سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي‏.‏

فصار إليه بعد ستة أيام فلقب بذلك‏.‏

فائدة حسنة ينبغي التنبه لها

ولي المقتفي والمسترشد الخلافة وكانا أخوين، وكذلك السفاح والمنصور، وكذلك الهادي والرشيد، ابنا المهدي، وكذلك الواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمقتفي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فلم يكن إلا في بني أمية وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان، ولما استقر المقتفي بالخلافة استمر الراشد ذاهباً إلى الموصل صحبة صاحبها عماد الدين زنكي، فدخلها في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/262‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 محمد بن حمويه

ابن محمد بن حمويه، أبو عبد الله الجويني، روى الحديث وكان صدوقاً مشهوراً بالعلم والزهد، وله كرامات، دخل إلى بغداد فلما ودعهم بالخروج منها أنشدهم‏:‏

لئن كان لي من بعد عود إليكم * نصيب لبانات الفؤاد إليكم

وإن تكن الأخرى وفي الغيب غيره * قضاه وإلا فالسلام عليكم

 محمد بن عبد الله

ابن أحمد بن حبيب، أبو بكر العامري، المعروف بابن الخباز، سمع الحديث وكان يعظ الناس على طريق التصوف، وكان ابن الجوزي فيمن تأدب به، وقد أثنى عليه وأنشد عنه من شعره‏:‏

كيف احتيالي وهذا في الهوى حالي * والشوق أملك لي من عذل عذالي

وكيف أشكو وفي حبي له شغل * يحول بين مهماتي وأشغالي

وكانت له معرفة بالفقه والحديث، وقد شرح كتاب ‏(‏الشهاب‏)‏، وقد ابتنى رباطاً، وكان عنده فيه جماعة من المتعبدين والزهاد، ولما احتضر أوصاهم بتقوى الله عز وجل والإخلاص لله والدين، فلما فرغ شرع في النزع وعرق جبينه فمد يده وقال بيتا لغيره‏:‏

ها قد بسطت يدي إليك فردها * بالفضل لا بشماتة الأعداء

ثم قال‏:‏ أرى المشايخ بين أيديهم الأطباق وهم ينتظرونني‏.‏

ثم مات، وذلك ليلة الأربعاء نصف رمضان، ودفن برباطه ثم غرق رباطه وقبره في سنة أربعين وخمسمائة‏.‏

 محمد بن الفضل

ابن أحمد بن محمد بن أبي العباس أبو عبد الله الصاعدي الفراوي، كان أبوه من ثغر فراوه، وسكن نيسابور، فولد له بها محمد هذا، وقد سمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ بالآفاق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/263‏)‏

وتفقه وأفتى وناظر ووعظ وكان ظريفاً حسن الوجه جميل المعاشرة كثير التبسم، وأملى أكثر من ألف مجلس، ورحل إليه الطلبة من الآفاق حتى يقال‏:‏ للفراوي ألف راوي، وقيل‏:‏ إن ذلك كان مكتوباً في خاتمه‏.‏

وقد أسمع صحيح مسلم قريباً من عشرين مرة، توفي في شوال منها عن تسعين سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ كثر موت الفجأة بأصبهان فمات ألوف من الناس، وأغلقت دور كثيرة‏.‏

وفيها‏:‏ تزوج الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد بن ملكشاه على صداق مائة ألف دينار، فحضر أخوها السلطان مسعود العقد وجماعة من أعيان الدولة والوزراء والأمراء، ونثر على الناس أنواع النثار‏.‏

وفيها‏:‏ صام أهل بغداد رمضان ثلاثين يوماً ولم يروا الهلال ليلة إحدى وثلاثين، مع كون السماء كانت مصحية‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وهذا شيء لم يقع مثله‏.‏

وفيها‏:‏ هرب وزير صاحب مصر وهو تاج الدولة بهرام النصراني، وقد كان تمكن في البلاد وأساء السيرة، فتطلبه الخليفة الحافظ حتى أخذه فسجنه ثم أطلقه فترهب وترك العمل، فاستوزر بعده رضوان بن الريحيني ولقبه الملك الأفضل، ولم يلقب وزير قبله بهذا، ثم وقع بينه وبين الخليفة الحافظ، فلم يزل به الخليفة حتى قتله واستقل بتدبير أموره وحده‏.‏

وفيها‏:‏ ملك عماد الدين زنكي عدة بلدان‏.‏

وفيها‏:‏ طلع بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا، ثم ظهر بعده سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا، ثم جاءت ريح عاصف ألقت أشجاراً كثيرة، ثم وقع مطر شديد، وسقط برد كبار‏.‏

وفيها‏:‏ قصد ملك الروم بلاد الشام فأخذ بلاداً كثيرة من أيدي الفرنج، وأطاعه ابن اليون ملك الأرمن‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن ثابت

ابن الحسن أبو سعد الخجندي، تفقه على والده الإمام أبي بكر الخجندي الأصبهاني، وولي تدريس النظامية ببغداد مراراً، ويعزل عنها، وقد سمع الحديث ووعظ، وتوفي في شعبان منها، وقد قارب التسعين‏.‏

 هبة الله بن أحمد

ابن عمر الحريري، يعرف بابن الطير، سمع الكثير وهو آخر من روى عن أبي الحسن ابن زوج الحرة، وقد حدث عنه الخطيب، وكان ثبتاً كثير السماع، كثير الذكر والتلاوة، ممتعاً بحواسه وقواه، إلى أن توفي في جمادى الأولى عن ست وتسعين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/264‏)‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ قتل الخليفة الراشد المخلوع وذلك أنه اجتمع معه الملك داود وجماعة من كبار الأمراء، فقصدوا قتال مسعود بأرض مراغة فهزمهم وبدد شملهم، وقتل منهم خلقاً صبراً، منهم صدقة بن دبيس، وولى أخاه محمداً مكانه على الحلة، وهرب الخليفة الراشد المخلوع، فدخل أصبهان فقتله رجل ممن كان يخدمه من الخراسانية، وكان قد برأ من وجع أصابه، فقتلوه في الخامس والعشرين من رمضان، ودفن بشهرستان ظاهر أصبهان‏.‏

وقد كان حسن اللون مليح الوجه شديد القوة مهيباً، أمه أم ولد‏.‏

وفيها‏:‏ كسى الكعبة رجل من التجار يقال له‏:‏ راست الفارسي، بثمانية عشر ألف دينار، وذلك لأنه لم تأتها كسوة في هذا العام لأجل اختلاف الملوك‏.‏

وفيها‏:‏ كانت زلزلة عظيمة ببلاد الشام والجزيرة والعراق، فانهدم شيء كثير من البيوت، ومات تحت الهدم خلق كثير‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ الملك عماد الدين زنكي مدينة حمص في المحرم، وتزوج في رمضان بالست زمرد خاتون، أم صاحب دمشق، وهي التي تنسب إليها الخاتونية البرانية‏.‏

وفيها‏:‏ ملك صاحب الروم مدينة بزاعة، وهي على ستة فراسخ من حلب، فجاء أهلها الذين نجوا من القتل والسبي يستغيثون بالمسلمين ببغداد، فمنعت الخطبة ببغداد، وجرت فتن طويلة‏.‏

وفيها‏:‏ تزوج السلطان مسعود بسفرى بنت دبيس بن صدقة وزينت بغداد لذلك سبعة أيام‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ فحصل بسبب ذلك فساد عريض طويل منتشر، ثم تزوج ابنة عمه فزينت بغداد ثلاثة أيام أيضاً‏.‏

وفيها‏:‏ ولد للسلطان الناصر صلاح يوسف بن أيوب ابن شاري بقلعة تكريت‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد

أبو بكر بن أبي الفتح الدينوري الحنبلي، سمع الحديث وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وأفتى ودرس وناظر، كان أسعد الميهني يقول عنه‏:‏ ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلمه، وقد تخرج به ابن الجوزي وأنشد‏:‏

تمنيت أن يمسي فقيهاً مناظراً * بغير عياء والجنون فنون

وليس اكتساب المال دون مشقة * تلقيتها، فالعلم كيف يكون‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/265‏)‏

 عبد المنعم بن عبد الكريم

ابن هوازن، أبو المظفر القشيري، آخر من بقي منهم، سمع أباه وأبا بكر البيهقي وغيرهما، وسمع منه عبد الوهاب الأنماطي، وأجاز ابن الجوزي، وقارب التسعين‏.‏

 محمد بن عبد الملك

ابن محمد بن عمر، أبو الحسن الكرخي، سمع الكثير في بلاد شتى، وكان فقيهاً مفتياً، تفقه بأبي إسحاق وغيره من الشافعية، وكان شاعراً فصيحاً، وله مصنفات كثيرة منها ‏(‏الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول‏)‏، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة، وله تفسير وكتاب في الفقه، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول‏:‏ لم يصح ذلك في حديث، وقد كان إمامنا الشافعي يقول‏:‏ إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي الحائط‏.‏

وقد كان حسن الصورة جميل المعاشرة، ومن شعره قوله‏:‏

تناءت داره عني ولكن * خيال جماله في القلب ساكن

إذا امتلأ الفؤاد به فماذا * يضر إذا خلت منه الأماكن

توفي وقد قارب التسعين‏.‏

 الخليفة الراشد

منصور بن المسترشد، قتل بأصبهان بعد مرض أصابه، فقيل‏:‏ إنه سم، وقيل‏:‏ قتلته الباطنية، وقيل‏:‏ قتله الفراشون الذين كانوا يلون أمره فالله أعلم‏.‏

وقد حكى ابن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال‏:‏ الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لابد أن يخلع‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ فتأملت ذلك فرأيته عجباً قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلعه معاوية ثم يزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك، ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل، ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل، ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل، ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع ثم قتل، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/266‏)‏

 أنوشروان بن خالد

ابن محمد القاشاني القيني، من قرية قين من قاشان، الوزير أبو نصر، وزر للسلطان محمود وللخليفة المسترشد، وكان عاقلاً مهيباً عظيم الخلقة، وهو الذي ألزم أبا محمد الحريري بتكميل المقامات، وكان سبب ذلك أن أبا محمد كان جالساً في مسجد بني حرام في محلة من محال البصرة، فدخل عليه شيخ ذو طمرين فقالوا‏:‏ من أنت ‏؟‏

قال‏:‏ أنا رجل من سروج، يقال لي‏:‏ أبو زيد‏.‏

فعمل الحريري المقامة الحرامية واشتهرت في الناس، فلما طالعها الوزير أنوشروان أعجب بها وكلف أبا محمد الحريري أن يزيد عليها غيرها فزاد عليها غيرها إلى تمام خمسين مقامة، فهي هذه المشهورة المتداولة بين الناس، وقد كان الوزير أنوشروان كريماً، وقد مدحه الحريري صاحب ‏(‏المقامات‏)‏‏:‏

ألا ليت شعري والتمني لعله * وإن كان فيه راحة لأخي الكرب

أتدرون أني مذ تناءت دياركم * وشط اقترابي من جنابكم الرحب

أكابد شوقاً ما أزال أداره * يقلبني في الليل جنباً على جنب

وأذكر أيام التلاقي فأنثني * لتذكارها بادي الأسى طائر اللب

ولي حنة في كل وقت إليكم * ولا حنة الصادي إلى البارد العذب

فو الله لو أني كتمت هواكم * لما كان مكتوماً بشرق ولا غرب

ومما شجا قلبي المعنىّ وشفّه * رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي

وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة * فقد صرت أخشاها ومالي من ذنب

ولما سرى الوفد العراقي نحوكم * وأعوزني المسرى إليكم مع الركب

جعلت كتابي نائباً عن ضرورتي * ومن لم يجد ماء تيمم بالترب

ويعضد أيضاً بضعة من جوارحي * تنبيكم عن سر حالي وتستنبي

ولست أرى أذكاركم بعد خيركم * بمكرمة، حسبي اعتذاركم حسبي

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/267‏)‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت زلزلة عظيمة بمدينة جبرت فمات بسببها مائتا ألف وثلاثون ألفاً، وصار مكانها ماء أسود عشرة فراسخ في مثلها، وزلزل أهل حلب في ليلة واحدة ثمانين مرة‏.‏

وفيها‏:‏ وضع السلطان محمود مكوساً كثيرة عن الناس، وكثرت الأدعية له‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين السلطان سنجر وخوارزم شاه، فهزمه سنجر وقتل ولده في المعركة، فحزن عليه والده حزناً شديداً‏.‏

وفيها‏:‏ قتل صاحب دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري بن طغتكين، قتله ثلاثة من خواصه ليلاً وهربوا من القلعة، فأدرك اثنان فصلبا وأفلت واحد‏.‏

وفيها‏:‏ عزل اليهود والنصارى عن المباشرات ثم أعيدوا قبل شهر‏.‏

وحج بالناس فيها قطز الخادم‏.‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 زاهر بن طاهر

ابن محمد، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر السحامي المحدث المكثر، الرحال الجوال، سمع الكثير وأملى بجامع نيسابور ألف مجلس، وتكلم فيه أبو سعد السمعاني، وقال‏:‏ إنه كان يخل بالصلوات‏.‏

وقد رد ابن الجوزي على السمعاني بعذر المرض ويقال‏:‏ إنه كان به مرض يكثر بسببه جمع الصلوات فالله أعلم‏.‏

بلغ خمساً وثمانين سنة توفي بنيسابور في ربيع الآخر، ودفن بمقبرته‏.‏

 يحيى بن يحيى بن علي

ابن أفلح، أبو القاسم الكاتب، وقد خلع عليه المسترشد ولقبه جمال الملك، وأعطاه أربعة دور، وكانت له دار إلى جانبهن فهدمهن كلهن واتخذ مكانهن داراً هائلة، طولها ستون ذراعاً في عرض أربعين ذراعاً، وأطلق له الخليفة أخشابها وآجرها وطرازاتها، وكتب عليها أشعاراً حسنة من نظمه ونظم غيره، فمن ذلك ما هو على باب دارها‏:‏

إن أعجب الراؤن من ظاهري * فباطني لو علموا أعجب

شد باني من كفه مزنة * يخجل منها العارض الصيب

ورنحت روضة أخلاقه * في ديار نورها مذهب

صدر كسيّ صدري من نوره * شمساً على الأيام لا تغرب

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/268‏)‏

وعلى الطرز مكتوب‏:‏

ومن المروءة للفتى * ما عاش دار فاخره

فاقنع من الدنيا بها * واعمل لدار الآخره

هاتيك وافيت بما * وعدت وهاتي باتره

وفي موضع آخر مكتوب

وناد كأن جنان الخـ * ـلد أعارته من حسنها رونقا

وأعطته من حادثات الزما * ن أن لا يلم به موبقا

فأضحى ينبئه على كل ما * بنى مغرباً كان أو مشرقا

تظل الوفود به عكفاً * ويمسي الضيوف به طرّقا

بقيت له يا جمال الملو * ك وذا الفضل مهما أردت البقا

وسالمه فيك ريب الزما * ن ووقيت فيه الذي يتقى

فما والله صدقت هذه الأماني، بل عما قريب اتهمه الخليفة بأنه يكاتب دبيساً فأمر بخراب داره تلك فلم يبق فيها جدار، بل صارت خربة بعد ما كانت قرة العيون من أحسن المقام والقرار، وهذه حكمة الله من تقلب الليل والنهار، وما تجري بمشيئة الأقدار، وهي حكمته في كل دار بنيت بالأشر والبطر، وفي كل لباس لبس على التيه والكبر والأشر‏.‏

وقد أورد له ابن الجوزي أشعاراً حسنة من نظمه، وكلمات من نثره فمن ذلك قوله‏:‏

دع الهوى لا ناس يعرفون به * قد مارسوا الحب حتى أصعبه

أدخلت نفسك فيما لست تجربه * والشيء صعب على من لا يجربه

أمن اصطبار وإن لم تستطع خلداً * فرب مدرك أمر عز مطلبه

أحن الضلوع على قلب يخيرني * في كل يوم يعييني تقلبه

تأرج الريح من نجد يهيجه * ولامع البرق من نغمات يطربه

وقوله‏:‏

هذه الخيف وهاتيك مني * فترفق أيها الحادي بنا

واحبس الركب علينا ساعة * نندب الدار ونبكي الدنا

فلذا الموقف أعددت البكا * ولذا اليوم الدموع تقتني

زماننا كان وكنا جيرة * فأعاد الله ذاك الزمنا

بيننا يوم ائتلاف نلتقي * كان من غير تراضي بيننا

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/269‏)‏

 ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ حاصر زنكي دمشق فحصنها الأتابك معين الدين بن مملوك طغتكين، فاتفق موت ملكها جمال الدين محمود بن بوري بن طغتكين، فأرسل معين الدين إلى أخيه مجير الدين أتق، وهو ببعلبك فملكه دمشق، فذهب زنكي إلى بعلبك فأخذها واستناب عليها نجم الدين أيوب صلاح الدين‏.‏

وفيها‏:‏ دخل الخليفة على الخاتون فاطمة بنت السلطان مسعود، أغلقت بغداد أياماً‏.‏

وفيها‏:‏ نودي للصلاة على رجل صالح فاجتمع الناس بمدرسة الشيخ عبد القادر فاتفق أن الرجل عطس فأفاق، وحضرت جنازة رجل آخر غيره فصلى عليه ذلك الجمع الكثير‏.‏

وفيها‏:‏ نقصت المياه من سائر الدنيا‏.‏

وفيها‏:‏ ولد صاحب حماه تقي الدين عمر شاهنشاه بن أيوب بن شاري‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن جعفر

ابن الفرج أبو العباس الحربي، أحد العباد الزهاد، سمع الحديث وكانت له أحوال صالحة، حتى كان يقال‏:‏ إنه كان يُرى في بعض السنين بعرفات، ولم يحج في تلك السنة‏.‏

 عبد السلام بن الفضل

أبو القاسم الجيلي، سمع الحديث وتفقه على الكيا الهراسي، وبرع في الأصول والفروع، وغير ذلك، وولي قضاء البصرة وكان من خيار القضاة‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ وصلت البردة والقضيب إلى بغداد، وكانا مع المسترشد حين هرب سنة تسع وعشرين وخمسمائة فحفظهما السلطان سنجر عنده حتى ردهما في هذه السنة‏.‏

وفيها‏:‏ كملت المدرسة الكمالية المنسوبة إلى كمال الدين، أبي الفتوح حمزة بن طلحة، صاحب المخزن، ودرس فيها الشيخ أبو الحسن الحلي، وحضر عنده الأعيان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/270‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 إسماعيل بن محمد

ابن علي، أبو القاسم الطلحي الأصبهاني، سمع الكثير، ورحل وكتب وأملى بأصبهان، قريباً من ثلاثة آلاف مجلس، وكان إماماً في الحديث والفقه والتفسير واللغة، حافظاً متقناً، توفي ليلة عيد الأضحى وقد قارب الثمانين، ولما أراد الغاسل تنحية الخرقة عن فرجه ردها بيده، وقيل‏:‏ إنه وضع يده على فرجه‏.‏

 محمد بن عبد الباقي

ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مسجعة بن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، سمع الحديث وتفرد عن جماعة من المشايخ، وأملى الحديث في جامع القصر، وكان مشاركاً في علوم كثيرة، وقد أسر في صغره في أيدي الروم فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلم منهم خط الروم، وكان يقول‏:‏ من خدم المحابر خدمته المنابر‏.‏

ومن شعره الذي أورده له ابن الجوزي عنه وسمعه منه قوله‏:‏

احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال إن سئلت، ومذهب

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب

وقوله‏:‏

لي مدة لا بد أبلغها * فإذا انقضت مت

لو عاندتني الأسد ضارية * ما ضرني ما لم يجي الوقت

قال ابن الجوزي‏:‏ بلغ من العمر ثلاثاً وتسعين سنة، لم تتغير حواسه ولا عقله، توفي ثاني رجب منها، وحضر جنازته الأعيان وغيرهم، ودفن قريباً من قبر بشر‏.‏

 يوسف بن أيوب

ابن الحسن بن زهرة، أبو يعقوب الهمذاني، تفقه بالشيخ أبي إسحاق، وبرع في الفقه والمناظرة، ثم ترك ذلك واشتغل بالعبادة، وصحب الصالحين وأقام بالجبال، ثم عاد إلى بغداد فوعظ بها، وحصل له قبول‏.‏

توفي في ربيع الأول ببعض قرى هراة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/271‏)‏

 ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت حروب كثيرة بين السلطان سنجر وخوارزم شاه، فاستحوذ خوارزم على مرو بعد هزيمة سنجر ففتك بها، وأساء التدبير بالنسبة إلى الفقهاء الحنفية الذين بها، وكان جيش خوارزم ثلاثمائة ألف مقاتل‏.‏

وفيها‏:‏ تحمل عمل دمشق النهروز، وخلع نهروز شحنة بغداد على حباب صباغ الحرير الرومي، وركب هو والسلطان مسعود في سفينة في ذلك النهر، وفرح السلطان بذلك، وكان قد صرف السلطان على ذلك النهر سبعين ألف دينار‏.‏

وفيها‏:‏ حج كمال الدين طلحة صاحب المخزن، وعاد فتزهد وترك العمل ولزم داره‏.‏

وفيها‏:‏ عقدت الجمعة بمسجد العباسيين بإذن الخليفة‏.‏

وحج بالناس قطز‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 إسماعيل بن أحمد بن عمر

ابن أبي الأشعث، أبو القاسم بن أبي بكر السمرقندي الدمشقي ثم البغدادي، سمع الكثير وتفرد بمشايخ، وكان سماعه صحيحاً، وأملى بجامع المنصور مجالس كثيرة نحو ثلاثمائة مجلس، توفي وقد جاوز الثمانين‏.‏

 يحيى بن علي

ابن محمد بن علي، أبو محمد بن الطراح المدبر، ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع الكثير وأسمع، وكان شيخاً حسناً مهيباً كثير العبادة، توفي في رمضان منها‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ ملك عماد الدين زنكي الحديثة، ونقل آل مهارش منها إلى الموصل، ورتب فيها نواباً من جهته‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ تجهز السلطان مسعود ليأخذ الموصل والشام من زنكي، فصالحه على مائة ألف دينار، فدفع إليه منها عشرين ألف دينار، وأطلق له الباقي، وسبب ذلك أن ابنه سيف الدين غازي كان لا يزال في خدمة السلطان مسعود‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/272‏)‏

وفيها‏:‏ ملك زنكي بعض بلاد بكر‏.‏

وفيها‏:‏ حصر الملك سنجر خوارزم شاه، ثم أخذ منه مالاً وأطلقه‏.‏

وفيها‏:‏ وجد رجل يفسق بصبي فألقي من رأس منارة‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي القعدة زلزلت الأرض‏.‏

وحج بالناس قطز‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عبد الوهاب بن المبارك

ابن أحمد، أبو البركات الأنماطي، الحافظ الكبير، كان ثقة ديناً ورعاً، طليق الوجه، سهل الأخلاق، توفي في المحرم عن ست وتسعين سنة‏.‏

 علي بن طراد

ابن محمد الزينبي، الوزير العباسي، أبو القاسم نقيب النقباء على الطائفتين، في أيام المستظهر، ووزر للمسترشد، وتوفي في رمضان عن ست وسبعين سنة‏.‏

 الزمخشري محمود

ابن عمر بن محمد بن عمر، أبو القاسم الزمخشري، صاحب ‏(‏الكشاف‏)‏ في التفسير، و‏(‏المفصل‏)‏ في النحو وغير ذلك من المصنفات المفيدة، وقد سمع الحديث وطاف البلاد، وجاور بمكة مدة، وكان يظهر مذهب الاعتزال ويصرح بذلك في تفسيره، ويناظر عليه، وكانت وفاته بخوارزم ليلة عرفة منها، عن ست وسبعين سنة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

فيها‏:‏ أخذ العماد زنكي الرها وغيرها من حصون الجزيرة من أيدي الفرنج، وقتل منهم خلقاً كثيراً وسبى نساء كثيرة، وغنم أموالاً جزيلة، وأزال عن المسلمين كرباً شديداً‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم وتنافس هو وأمير مكة فنهب الحجيج وهم يطوفون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/273‏)‏

 وفيها توفي من الأعيان‏:‏

 إبراهيم بن محمد بن منصور

ابن عمر أبو الوليد الكرخي، تفقه بأبي إسحاق وأبي سعد المتولي، حتى صار أوحد زمانه فقهاً وصلاحاً، مات في هذه السنة‏.‏

 سعد بن محمد

ابن عمر أبو منصور البزار، سمع الحديث وتفقه بالغزالي والشاشي والمتولي والكيا، وولي تدريس النظامية، وكان له سمت حسن، ووقار وسكون، وكان يوم جنازته مشهوداً، ودفن عند أبي إسحاق‏.‏

 عمر بن إبراهيم

ابن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشي العلوي، أبو البركات الكوفي، ثم البغدادي، سمع الكثير وكتب كثيراً، وأقام بدمشق مدة، وكان له معرفة جيدة بالفقه والحديث والتفسير واللغة والأدب، وله تصانيف في النحو، وكان خشن العيش صابراً محتسباً‏.‏

توفي في شعبان من هذه السنة عن سبع وتسعين سنة، رحمه الله تعالى‏.‏

 ثم دخلت سنة أربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ حصر علي بن دبيس أخاه محمداً ولم يزل يحاصره حتى اقتلع من يده الحلة وملكها‏.‏

وفي رجب منها دخل السلطان مسعود بغداد خوفاً من اجتماع عباس صاحب الري، ومحمد شاه بن محمود، ثم خرج منها في رمضان‏.‏

وحج بالناس أرجوان مملوك أمير الجيوش بسبب ما كان وقع بين قطز وأمير مكة في السنة الماضية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/274‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد

ابن الحسين بن علي بن أحمد بن سليمان، أبو سعد الأصبهاني، ثم البغدادي، سمع الحديث وكان على طريقة السلف، حلو الشمائل، مطرح الكلفة، ربما خرج إلى السوق بقميص وقلنسوة، وحج أحد عشر حجة، وكان يملي الحديث ويكثر الصوم، توفي بنهاوند في ربيع الأول من هذه السنة وقد قارب الثمانين‏.‏

 علي بن أحمد

ابن الحسين بن أحمد أبو الحسن اليزدي، تفقه بأبي بكر الشاشي، وسمع الحديث وأسمعه، وكان له ولأخيه قميص واحد، إذا خرج هذا لبسه وجلس الآخر في البيت عرياناً وكذا الآخر‏.‏

 موهوب بن أحمد

ابن محمد بن الخضر، أبو منصور الجواليقي، شيخ اللغة في زمانه، باشر مشيخة اللغة بالنظامية بعد شيخه أبي زكريا التبريزي، وكان يؤم بالمقتفي، وربما قرأ الخليفة عليه شيئاً من الكتب، وكان عاقلاً متواضعاً في ملبسه، طويل الصمت كثير الفكر، وكانت له حلقة بجامع القصر أيام الجمع، وكان فيه لكنة، وكان يجلس إلى جانبه المغربي معبر المنامات، وكان فاضلاً لكنه كان كثير النعاس في مجلسه، فقال فيهما بعض الأدباء‏:‏

بغداد عندي ذنبها لن يغفرا * وعيوبها مكشوفة لن تسترا

كون الجواليقي فيها مملياً * لغة وكون المغربي معبّرا

ما سور لُكْنته يقول فصاحة * وليوم يقظته يعبّر في الكرا

 ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

في ليلة مستهل ربيع الأول منها احترق القصر الذي بناه المسترشد، وكان في غاية الحسن، وكان الخليفة المقتفى قد انتقل بجواريه وحظاياه إليه ليقيم فيه ثلاثة أيام، فما هو إلا أن ناموا احترق عليهم القصر بسبب أن جارية أخذت في يدها شمعة فعلق لهبها ببعض الأخشاب فاحترق القصر وسلم الله الخليفة وأهله، فأصبح فتصدق بأشياء كثيرة وأطلق خلقاً من المحبسين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/275‏)‏

وفي رجب منها وقع بين الخليفة والسلطان مسعود واقع فبعث الخليفة إلى الجوامع والمساجد فأغلقت ثلاثة أيام، حتى اصطلحا‏.‏

وفي يوم الجمعة نصف ذي القعدة جلس ابن العبادي الواعظ فتكلم السلطان مسعود حاضر، وكان قد وضع على الناس في البيع مكساً فاحشاً، فقال في جملة وعظه‏:‏ يا سلطان العالم، أنت تطلق في بعض الأحيان للمغني إذا طربت قريباً مما وضعت على المسلمين من هذا المكس، فهبني مغنياً وقد طربت فهب لي هذا المكس شكراً لنعم الله عليك‏.‏

فأشار السلطان بيده أن قد فعلت، فضج الناس بالدعاء له، وكتب بذلك سجلات، ونودي في البلد بإسقاط ذلك المكس، ففرح الناس بذلك، ولله الحمد والمنة‏.‏

وفيها‏:‏ قل المطر جداً، وقلت مياه الأنهار، وانتشر جراد عظيم، وأصاب الناس داء في حلوقهم، فمات بذلك خلائق كثيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفيها‏:‏ قتل الملك عماد الدين زنكي بن قيم الدولة التركي صاحب الموصل، وحلب وغيرها من البلاد الشامية والجزيرة، وكان محاصراً قلعة جعبر، وفيها شهاب الدين سالم بن مالك العقيلي، فبرطل بعض مماليك زنكي حتى قتلوه في الليلة الخامسة من ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

قال العماد الكاتب‏:‏ كان سكراناً، فالله أعلم‏.‏

وقد كان زنكي من خيار الملوك وأحسنهم سيرة وشكلاً، وكان شجاعاً مقداماً حازماً، خضعت له ملوك الأطراف، وكان من أشد الناس غيرة على نساء الرعية، وأجود الملوك معاملة، وأرفقهم بالعامة، وقام بالأمر من بعد بالموصل ولده سيف الدولة، وبحلب نور الدين محمود، فاستعاد نور الدين هذا مدينة الرها، وكان أبوه قد فتحها‏.‏

فلما مات عصوا فقهرهم نور الدين‏.‏

وفيها‏:‏ ملك عبد المؤمن صاحب المغرب وخادم ابن تومرت جزيرة الأندلس، بعد حروب طويلة‏.‏

وفيها‏:‏ ملكت الفرنج مدينة طرابلس الغرب‏.‏

وفيها‏:‏ استعاد صاحب دمشق مدينة بعلبك‏.‏

وفيها‏:‏ جاء نجم الدين أيوب إلى صاحب دمشق فسلمه القلعة وأعطاه أمزبة عنده بدمشق‏.‏

وفيها‏:‏ قتل السلطان مسعود حاجبه عبد الرحمن بن طغرلبك وقتل عباساً صاحب الري، وألقى رأسه إلى أصحابه فانزعج الناس ونهبوا خيام عباس هذا، وقد كان عباس من الشجعان المشهورين، قاتل الباطنية مع مخدومه جوهر، فلم يزل يقتل منهم حتى بنى مأذنة من رؤسهم بمدينة الري‏.‏

وفيها‏:‏ مات نقيب النقباء ببغداد محمد بن طراد الزينبي، فتولى بعده علي بن طلحة الزينبي‏.‏

وفيها‏:‏ سقط جدار على ابنة الخليفة، وكانت قد بلغت مبالغ النساء، فماتت فحضر جنازتها الأعيان‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/276‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 زنكي بن آقسنقر

تقدم ذكر شيء من ترجمته وهو أبو نور الدين محمود الشهيد، وقد أطنب الشيخ أبو شامة في الروضتين في ترجمته، وما قيل فيه من نظم ونثر، رحمه الله‏.‏

 سعد الخير

محمد بن سهل بن سعد، أبو الحسن المغربي الأندلسي الأنصاري، رحل وحصل كتباً نفيسة، وروى عنه ابن الجوزي وغيره، وقد أوصى عند وفاته أن يصلي عليه الغزنوي، وأن يدفن عند قبر عبد الله بن الإمام أحمد، وحضر جنازته خلائق من الناس‏.‏

 شافع بن عبد الرشيد

ابن القاسم، أبو عبد الله الجيلي الشافعي، تفقه على الكيا وعلى الغزالي، وكان يسكن الكرخ، وله حلقة بجامع المنصور في الرواق‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وكنت أحضر حلقته‏.‏

 عبد الله بن علي

ابن أحمد بن عبد الله، أبو محمد سبط أبي منصور الزاهد، قرأ القراءات وصنف فيها، وسمع الحديث الكثير، واقتنى الكتب الحسنة، وأمّ في مسجده نيفاً وخمسين سنة، وعلم خلقاً القرآن‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ما سمعت أحداً أحسن قراءة منه‏.‏

وحضر جنازته خلق كثير‏.‏

 عباس شحنة الري

توصل إلى أن ملكها ثم قتله مسعود، وقد كان كثير الصدقات والإحسان إلى الرعية، وقتل من الباطنية خلقاً حتى بنى من رؤسهم منارة بالري، وتأسف الناس عليه‏.‏

 محمد بن طراد

ابن محمد الزينبي أبو الحسن نقيب النقباء، وهو أخو علي بن طراد الوزير، سمع الكثير من أبيه ومن عمه أبي نصر وغيرهما، وقارب السبعين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/277‏)‏

 وجيه بن طاهر

ابن محمد بن محمد، أبو بكر الشحامي، أخو زاهر، وقد سمع الكثير من الحديث، وكانت له معرفة به، وكان شيخاً حسن الوجه، سريع الدمعة، كثير الذكر، جمع السماع إلى العمل إلى صدق اللهجة، توفي ببغداد في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ ملكت الفرنج عدة حصون من جزيرة الأندلس‏.‏

وفيها‏:‏ ملك نور الدين بن محمود زنكي عدة حصون من يد الفرنج بالسواحل‏.‏

وفيها‏:‏ خطب للمستنجد بالله بولاية العهد من بعد أبيه المقتفي‏.‏

وفيها‏:‏ تولى عون بن يحيى بن هبيرة كتابة ديوان الزمام، وولي زعيم الدين يحيى بن جعفر صدرية المخزن المعمورة‏.‏

وفيها‏:‏ اشتد الغلاء بإفريقية وهلك بسببه أكثر الناس حتى خلت المنازل، وأقفلت المعاقل‏.‏

وفيها‏:‏ تزوج سيف الدين غازي بنت صاحب ماردين حسام الدين تمرتاش بن أرتق، بعد أن حاصره فصالحه على ذلك، فحملت إليه إلى الموصل بعد سنتين، وهو مريض قد أشرف على الموت، فلم يدخل بها حتى مات، فتولى بعده على الموصل أخوه قطب بن مودود فتزوجها‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وفي صفر رأى رجل في المنام قائلاً يقول له‏:‏ من زار أحمد بن حنبل غفر له‏.‏

قال‏:‏ فلم يبق خاص ولا عام إلا زاره‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وعقدت يومئذ ثم مجلساً فاجتمع فيه ألوف من الناس‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أسعد بن عبد الله

ابن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله، أبو منصور، سمع الحديث الكثير، وكان خيراً صالحاً ممتعاً بحواسه وقواه إلى حين الوفاة‏.‏

وقد جاوز المائة بنحو من سبع سنين‏.‏

 أبو محمد عبد الله بن محمد

ابن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي الأندلسي، الرباطي الحافظ، مصنف كتاب ‏(‏اقتياس الأنوار والتماس الأزهار‏)‏، في أنساب الصحابة، ورواة الآثار، وهو من أحسن التصانيف الكبار، قتل شهيداً صبيحة يوم الجمعة العشرين من جمادى بالبرية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/278‏)‏

 نصر الله بن محمد

ابن عبد القوي، أبو الفتح اللاذقي المصيصي الشافعي، تفقه بالشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي، بصور، وسمع بها منه ومن أبي بكر الخطيب، وسمع ببغداد والأنبار، وكان أحد مشايخ الشام، فقيهاً في الأصول والفروع، توفي فيها وقد جاوز التسعين بأربع سنين‏.‏

 هبة الله بن علي

ابن محمد بن حمزة أبو السعادات ابن الشجري النحوي، ولد سنة خمسين وأربعمائة، وسمع الحديث وانتهت إليه رياسة النحاة‏.‏

قال‏:‏ سمعت بيتاً في الذم أبلغ من قول مكوبه‏:‏

وما أنا إلا المسك قد ضاع عندكم * يضيع وعند الأكثرين يضوع

 ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ استغاث مجير الدين بن أتابك دمشق بالملك نور الدين صاحب حلب على الفرنج، فركب سريعاً فالتقى معهم بأرض بصرى فهزمهم، ورجع فنزل على الكسوة، وخرج ملك دمشق مجير الدين أرتق فخدمه واحترمه وشاهد الدماشقة حرمة نور الدين حتى تمنوه‏.‏

وفيها‏:‏ ملكت الفرنج المهدية وهرب منها صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن يوسف بن بليكين بأهله، وخاف على أمواله فتمزقت في البلاد، وتمزق هو أيضاً في البلاد، وأكلتهم الأقطار، وكان آخر ملوك بني باديس، وكان ابتداء ملكهم في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، فدخل الفرنج إليها وخزائنها مشحونة بالحواصل والأموال والعدد وغير ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفيها‏:‏ حاصرت الفرنج وهم في سبعين ألف مقاتل، ومعهم ملك الألمان في خلق لا يعلمهم إلا الله عز وجل، دمشق وعليها مجير الدين أرتق وأتابكه معين الدين، وهو مدبر المملكة، وذلك يوم السبت سادس ربيع الأول، فخرج إليهم أهلها في مائة ألف وثلاثين ألفاً، فاقتتلوا معهم قتالاً شديداً‏.‏

قتل من المسلمين في أول يوم نحو من مائتي رجل، ومن الفرنج خلق كثير لا يحصون، واستمر الحرب مدة وأخرج مصحف عثمان إلى وسط صحن الجامع، واجتمع الناس حوله يدعون الله عز وجل والنساء، والأطفال مكشفي الرؤس يدعون ويتباكون، والرماد مفروش في البلد، فاستغاث أرتق بنور الدين محمود صاحب حلب وبأخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل، فقصداه سريعاً في نحو من سبعين ألفاً بمن انضاف إليهم من الملوك وغيرهم، فلما سمعت الفرنج بقدوم الجيش تحولوا عن البلد، فلحقهم الجيش فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وجماً غفيراً، وقتلوا قسيساً معهم اسمه إلياس، وهو الذي أغراهم بدمشق، وذلك أنه افترى مناماً عن المسيح أنه وعده فتح دمشق، فقتل لعنه الله، وقد كادوا يأخذون البلد، ولكن الله سلم، وحماها بحوله وقوته‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 40‏]‏، ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء من الكفرة عليها، لأنها المحلة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أنها معقل الإسلام عند الملاحم والفتن، وبها ينزل عيسى ابن مريم، وقد قتل الفرنج خلقاً كثيراً من أهل دمشق، وممن قتلوا الفقيه الكبير الملقب حجة الدين شيخ المالكية بها، أبو الحجاج يوسف بن درناس الفندلاوي، بأرض النيرب، ودفن بمقابر باب الصغير، وكان مجير الدين قد صالح الفرنج عن دمشق ببانياس، فرحلوا عنها وتسلموا بانياس‏.‏

وفيها‏:‏ وقع بين السلطان مسعود وأمرائه ففارقوه، وقصدوا بغداد فاقتتلوا مع العامة، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً من الصغار والكبار، ثم اجتمعوا قبال التاج وقبلوا الأرض واعتذروا إلى الخليفة مما وقع، وساروا نحو النهروان فتفرقوا في البلاد، ونهبوا أهلها، فغلت الأسعار بالعراق بسبب ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ ولي قضاء القضاة ببغداد أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن الدامغاني، بعد وفاة الزينبي‏.‏

وفيها‏:‏ ملك سولي بن الحسين ملك الثغور مدينة غزنة، فذهب صاحبها بهرام شاه بن مسعود من أولاد سبكتكين إلى فرغانة فاستغاث بملكها، فجاء بجيوش عظيمة فاقتلع غزنة من سولي، وأخذه أسيراً فصلبه، وقد كان كريماً جواداً، كثير الصدقات‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 إبراهيم بن محمد

ابن نهار بن محرز الغنوي الرقي، سمع الحديث وتفقه بالشاشي والغزالي، وكتب شيئاً كثيراً من مصنفاته، وقرأها عليه، وصحبه كثيراً، وكان مهيباً كثير الصمت، توفي في ذي الحجة منها وقد جاوز الثمانين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/280‏)‏

 شاهان شاه بن أيوب

ابن شادي، استشهد مع نور الدين، وهو والد الست عذار، واقفة العذارية، وتقي الدين عمر واقف التقوية‏.‏

 علي بن الحسين

ابن محمد بن علي الزينبي، أبو القاسم الأكمل بن أبي طالب نور الهدى بن أبي الحسن نظام الحضرتين ابن نقيب النقباء أبي القاسم بن القاضي أبي تمام العباسي، قاضي القضاة ببغداد وغيرها، سمع الحديث وكان فقيهاً رئيساً، وقوراً حسن الهيئة والسمت، قليل الكلام، سافر مع الخليفة الراشد إلى الموصل، وجرت له فصول ثم عاد إلى بغداد فمات بها في هذه السنة، وقد جاوز الستين، وكانت جنازته حافلة‏.‏

 أبو الحجاج يوسف بن درباس

الفندلاوي، شيخ المالكية بدمشق، قتل يوم السبت سادس ربيع الأول قريباً من الربوة في أرض النيرب، هو والشيخ عبد الرحمن الجلجولي، أحد الزهاد رحمهما الله تعالى، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت وفاة القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، قاضيها أحد مشايخ العلماء المالكية، وصاحب المصنفات الكثيرة المفيدة، منها ‏(‏الشفا‏)‏، و‏(‏شرح مسلم‏)‏، و‏(‏مشارق الأنوار‏)‏ وغير ذلك، وله شعر حسن، وكان إماماً في علوم كثيرة، كالفقه واللغة والحديث والأدب، وأيام الناس، ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة، ومات يوم الجمعة في جمادى الآخرة، وقيل‏:‏ في رمضان من هذه السنة، بمدينة سبتة‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الملك نور الدين محمود بن زنكي صاحب حلب بلاد الفرنج، فقتل منهم خلقاً، وكان فيمن قتل البرنس صاحب إنطاكية، وفتح شيئاً كثيرا من قلاعهم، ولله الحمد‏.‏

وكان قد استنجد بمعين الدين بن أتابك دمشق، فأرسل إليه بفريق من جيشه صحبة الأمير مجاهد الدين بن مروان بن ماس، نائب صرخد فأبلوا بلاء حسناً، وقد قال الشعراء في هذه الغزوة أشعاراً كثيرة، منهم ابن القيسراني وغيره، وقد سردها أبو شامة في ‏(‏الروضتين‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/281‏)‏

وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر استوزر للخلافة أبو المظفر يحيى بن هبيرة، ولقب عون الدين، وخلع عليه‏.‏

وفي رجب قصد الملك شاه بن محمود بغداد، ومعه خلق من الأمراء، ومعه علي بن دبيس وجماعة من التركمان وغيرهم، وطلبوا من الخليفة أن يخطب له فامتنع من ذلك، وتكررت المكاتبات، وأرسل الخليفة إلى السلطان مسعود يستحثه في القدوم، فتمادى عليه وضاق النطاق، واتسع الخرق على الراقع، وكتب الملك سنجر إلى ابن أخيه يتوعده إن لم يسرع إلى الخليفة، فما جاء إلا في أواخر السنة، فانقشعت تلك الشرور كلها، وتبدلت سروراً أجمعها‏.‏

وفي هذه السنة زلزلت الأرض زلزالاً شديداً، وتموجت الأرض عشر مرات، وتقطع جبل بحلوان، وانهدم الرباط النهر جوري، وهلك خلق كثير بالبرسام، لا يتكلم المرضى به حتى يموتوا‏.‏

وفيها‏:‏ مات سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل، وملك بعده أخوه قطب الدين مودود بن زنكي، وتزوج بامرأة أخيه التي لم يدخل بها، الخاتون بنت تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، صاحب ماردين، فولدت له أولاداً كلهم ملكوا الموصل، وكانت هذه المرأة تضع خمارها بين خمسة عشر ملكاً‏.‏

وفيها‏:‏ سار نور الدين إلى سنجار ففتحها، فجهز إليه أخوه قطب الدين مودود جيشاً ليرده عنها، ثم اصطلحا فعوضه منها الرحبة وحمص، واستمرت سنجار لقطب الدين، وعاد نور الدين إلى بلده‏.‏

ثم غزا فيها الفرنج فقتل منهم خلقاً وأسر البرنس صاحب إنطاكية، فمدحه الشعراء منهم الفتح القيسراني بقصيدة يقول في أولها‏:‏

هذي العزائم لا ما تنعق القضب * وذي المكارم لا ما قالت الكتب

وهذه الهمم اللاتي متى خطبت * تعثرت خلفها الأشعار والخطب

صافحت يا ابن عماد الدين ذروتها * براحة للمساعي دونها تعب

ما زال جدك يبني كل شاهقة * حتى بنى قبة أوتادها الشهب

وفيها‏:‏ فتح نور الدين حصن فاميا وهو قريب من حماه‏.‏

وفيها‏:‏ مات صاحب مصر الحافظ لدين الله عبد المجيد بن أبي القاسم بن المستنصر، فقام بالأمر من بعده ولده الظافر إسماعيل، وقد كان أحمد بن الأفضل بن أمير الجيوش قد استحوذ على الحافظ وخطب له بمصر ثلاثاً، ثم آخر الأمر أذن بحي على خير العمل، والحافظ هذا هو الذي وضع طبل القولنج الذي إذا ضربه من به القولنج يخرج من القولنج والريح الذي به‏.‏

وخرج بالحجاج الأمير قطز الخادم، فمرض بالكوفة فرجع واستخلف على الحجاج مولاه قيماز، وحين وصوله إلى بغداد توفي بعد أيام، فطمعت العرب في الحجاج فوقفوا لهم في الطريق وهم راجعون، فضعف قيماز عن مقاومتهم فأخذ لنفسه أماناً وهرب وأسلم إليهم الحجيج، فقتلوا أكثرهم وأخذوا أموال الناس، وقل من سلم فيمن نجا، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/282‏)‏

وفيها‏:‏ مات معين الدين بن أتابك العساكر بدمشق، وكان أحد مماليك طغتكين، وهو والد الست خاتون زوجة نور الدين، وهو واقف المدرسة المعينية، داخل باب الفرج، وقبره في قبة قتلى الشامية البرانية، بمحلة العونية، عند دار البطيخ‏.‏

ولما مات معين الدين قويت شوكة الوزير الرئيس مؤيد الدولة على ابن الصوفي وأخيه زين الدولة حيدرة، ووقعت بينهما وبين الملك مجير الدين أرتق وحشة، اقتضت أنهما جنداً من العامة والغوغاء ما يقاومه فاقتتلوا، فقتل خلق من الفريقين، ثم وقع الصلح بعد ذلك‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن نظام الملك

أبو الحسن علي بن نصر الوزير للمسترشد، والسلطان محمود، وقد سمع الحديث، وكان من خيار الوزراء‏.‏

 أحمد بن محمد

ابن الحسين الأرجاني، قاضي تستر، روى الحديث وكان له شعر رائق يتضمن معاني حسنة، فمن ذلك قوله‏:‏

ولما بلوت الناس أطلب عندهم * أخا ثقة عند اعتراض الشدائد

تطعمت في حالي رخاء وشدة * وناديت في الأحياء‏:‏ هل من مساعد ‏؟‏

فلم أرَ فيما ساءني غير شامت * ولم أرَ فيما سرني غير حاسد

فطلقت ود العالمين جميعهم * ورحت فلا ألوي على غير واحد

تمتعتما يا ناظري بنظرة * وأوردتما قلبي أمر الموارد

أعيني كفا عن فؤادي فإنه * من البغي سعي اثنين في قتل واحد

والقاضي عياض بن موسى السبتي صاحب التصانيف المفيدة، ومن شعره قوله‏:‏

الله يعلم أني منذ لم أركم * كطائر خانه ريش الجناحين

ولو قدرت ركبت الريح نحوكم * فإن بعدكم عني جنى حيني

وقد ترجمه ابن خلكان ترجمة حسنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/283‏)‏

 عيسى بن هبة الله

ابن عيسى، أبو عبد الله النقاش، سمع الحديث، مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وكان ظريفاً خفيف الروح، له نوادر حسنة رأى الناس، وعاشر الأكياس، وكان يحضر مجلسي ويكاتبني وأكاتبه، كتبت إليه مرة فعظمته في الكتاب فكتب إلي‏:‏

قد زدتني في الخطاب حتى * خشيت نقصاً من الزياده

وله‏:‏

إذا وجد الشيخ في نفسه * نشاطاً فذلك موت خفي

ألست ترى أن ضوء السرا * ج له لهب قبل أن ينطفي

 غازي بن أقنسقر

الملك سيف الدين صاحب الموصل، وهو أخو نور الدين محمود، صاحب حلب ثم دمشق فيما بعد، وقد كان سيف الدين هذا من خيار الملوك وأحسنهم سيرة، وأجودهم سريرة، وأصبحهم صورة، شجاعاً كريماً، يذبح كل يوم لجيشه مائة من الغنم، ولمماليكه ثلاثين رأساً، وفي يوم العيد ألف رأس سوى البقر والدجاج، وهو أول من حمل على رأسه سنجق من ملوك الأطراف، وأمر الجند أن لا يركبوا إلا بسيف ودبوس، وبنى مدرسة بالموصل ورباطاً للصوفية، وامتدحه الحيص بيص، فأعطاه ألف دينار عيناً وخلعة‏.‏

ولما توفي بالحمى في جمادى الآخرة دفن في مدرسته المذكورة، وله من العمر أربعون سنة، وكانت مدة ملكه بعد أبيه ثلاث سنين وخمسين يوماً، رحمه الله‏.‏

 قطز الخادم

أمير الحاج مدة عشرين سنة وأكثر، سمع الحديث وقرأ على ابن الزاغوني، وكان يحب العلم والصدقة، وكان الحاج معه في غاية الدعة والراحة والأمن، وذلك لشجاعته ووجاهته عند الخلفاء والملوك، توفي ليلة الثلاثاء الحادي عشر من ذي القعدة ودفن بالرصافة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/284‏)‏

 ثم دخلت سنة خمس وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ فتح نور الدين محمود حصن فامية، وهو من أحصن القلاع، قيل‏:‏ فتحه في التي قبلها‏.‏

وفيها‏:‏ قصد دمشق ليأخذها فلم يتفق له ذلك، فخلع على ملكها مجير الدين أرتق، وعلى وزيره ابن الصوفي، وتقررت الخطبة له بها بعد الخليفة والسلطان، وكذلك السكة‏.‏

وفيها‏:‏ فتح نور الدين حصن إعزاز وأسر ابن ملكها ابن جوسلين، ففرح المسلمون بذلك، ثم أسر بعده والده جوسلين الفرنجي، فتزايدت الفرحة بذلك، وفتح بلاداً كثيرة من بلاده‏.‏

وفي المحرم منها حضر يوسف الدمشقي تدريس النظامية، وخلع عليه، ولما لم يكن ذلك بإذن الخليفة بل بمرسوم السلطان وابن النظام، منع من ذلك فلزم بيته ولم يعد إلى المدرسة بالكلية، وتولاها الشيخ أبو النجيب بإذن الخليفة ومرسوم السلطان‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ في هذه السنة وقع مطر باليمن كله دم، حتى صبغ ثياب الناس‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الحسن بن ذي النون

ابن أبي القاسم، بن أبي الحسن، أبو المفاخر النيسابوري، قدم بغداد فوعظ بها، وجعل ينال من الأشاعرة فأحبته الحنابلة، ثم اختبروه فإذا هو معتزلي ففتر سوقه، وجرت بسببه فتنة ببغداد، وقد سمع منه ابن الجوزي شيئاً من شعره، من بذلك‏:‏

مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا * ومات من بعدهم تلك الكرامات

وخلفوني في قوم ذوي سفه * لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا

 عبد الملك بن عبد الوهاب

الحنبلي القاضي بهاء الدين، كان يعرف مذهب أبي حنيفة وأحمد، ويناظر عنهما، ودفن مع أبيه وجده بقبور الشهداء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/285‏)‏

 عبد الملك بن أبي نصر بن عمر

أبو المعالي الجبلي، كان فقيهاً صالحاً متعبداً فقيراً، ليس له بيت يسكنه، وإنما يبيت في المساجد المهجورة، وقد خرج مع الحجيج فأقام بمكة يعبد ربه ويفيد العلم، فكان أهلها يثنون عليه خيراً‏.‏

 الفقيه أبو بكر بن العربي

المالكي، شارح الترمذي، كان فقيهاً عالماً وزاهداً عابداً، وسمع الحديث بعد اشتغاله في الفقه، وصحب الغزالي وأخذ عنه، وكان يتهمه برأي الفلاسفة، ويقول‏:‏ دخل في أجوافهم فلم يخرج منها، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ أغار جيش السلطان على بلاد الإسماعيلية، فقتلوا خلقاً ورجعوا سالمين‏.‏

وفيها‏:‏ حاصر نور الدين دمشق شهوراً، ثم ترحل عنها إلى حلب، وكان الصلح على يدي البرهان البلخي‏.‏

وفيها‏:‏ اقتتل الفرنج وجيش نور الدين فانهزم المسلمون وقتل منهم خلق، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ولما وقع هذا الأمر شق ذلك على نور الدين وترك الترفه وهجر اللذة حتى يأخذ بالثار، ثم إن أمراء التركمان ومعهم جماعة من أعوانهم ترصدوا الملك جوسليق الإفرنجي، فلم يزالوا به حتى أسروه في بعض متصيداته فأرسل نور الدين فكبس التركمان وأخذ منهم جوسليق أسيراً، وكان من أعيان الكفرة، وأعظم الفجرة، فأوقفه بين يديه في أذل حال، ثم سجنه‏.‏

ثم سار نور الدين إلى بلاده فأخذها كلها بما فيها‏.‏

وفي ذي الحجة جلس ابن العبادي في جامع المنصور وتكلم، وعنده جماعة من الأعيان، فكادت الحنابلة يثيرون فتنة ذلك اليوم، ولكن لطف الله وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/286‏)‏

وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 برهان الدين أبو الحسن بن علي البلخي

شيخ الحنفية بدمشق، درس بالبلخية ثم بالخاتونية البرانية، وكان عالماً عاملاً، ورعاً زاهداً، ودفن بمقابر باب الصغير‏.‏